الثقافة

شيزوفرانيا

احجز مساحتك الاعلانية

كتبت /منى حامد
مجتمعاتنا العربية بلا فخر أصبحت تموج بالإزدواجية ، تعاني من تخمة النفاق و الشيزوفرانيا ، تضخم في المبادئ ما يفوق كل تضخم إقتصادي ، ناهيك عن تضخم الهوى وانتصار النفس للنفس في كل القضايا السياسي والاجتماعي منها أو الديني .
تحوطك في كل المواقف ازدواجية ومعايير متضاربة محيرة ، ففي السلك السياسي والديني الخلط مطلوب ومكروه في ذات الوقت من جميع الأطراف ، ستجد من يحاول لفت أنظار مجلس الأمن لأي قضية و هو في الأصل يشيطن الدول الغربية ، ومن هو يلوم الإستنجاد بالغرب في ذات اللحظه فرح أشد الفرح وسعيد أيما سعادة بالرضا الأمريكي والغربي وفرحا مغردا بكرسي في مجلس الأمن . ستجد من هو رافض أشد الرفض للتدخل الأمريكي في العراق ، لكنه يؤيد احتلال روسيا وامريكا لاجواء وارض سوريا . و من يستنكر أي محاولة لنصرة المعارضة في سوريا تدعيما لجيش بشار السوري فرحا مشيدا بمساعدة المعارضة في اليمن ضد الجيش اليمنى ، كما تسمع من يشيد بالمملكة العربية السعودية و يرفض الوهابية ، من يبارك حكم بشار لكنه يستنكر ظلم وبغي الشيعة .
أما على الصعيد الديني البحت ، ربما تستطيع أن تكتب مجلدات . فستجد الشخص الملتزم يدافع عن الحريات اذا نقصت عنه في الإلتزام فمن ينقص مظاهر إلتزامه هي من الحرية وربما يفوقنا عند الله منزلة وربما يسبقنا على الجنان ، وهذا شئ بالمناسبة أتقبله .
ولكن في نفس الوقت تجد من يستنكر الزيادة فاللحية وعدم مساس الأجنبية او حجاب ونقاب أو أي مظاهر تختلف عن مظاهر إيمان شخص عربي أخر هي مظاهر تشدد وتخلف ويشوبها التعالي وربما تدعو للإباحية ومن يقدم عليه ليس ابدا عند الله ملاكا ولن يكون يوما لله مقربا ، فهنا منتهكا للحرية وبشئ من القدسية يعلنها صراحة لا حرية لغيري .
وستجد منبهرا من يدافع عن الرقص كنوع من الإبداع ولكنه يستنكر الراقصة ذات نفسها ، ومن يدافع عن حرية الملبس و ربما البكيني وحتى العري ولكنه يعلن مدى تأثير تلك المظاهر عليه وأنها السبب الذي يدفعه للتحرش فيتحرش بالنظر والكلمة وربما باليد ، ومن يدافع عن الإختلاط بين الجنسين يمنع تماما الاختلاط على أهل بيته ، ومن يمنع زوجته من الإختلاط يتكلم بكل أريحية مع زميلات له ، ومن يدعو الى الإلتزام ربما ليس ملتزما .
وأخيرا الصعيد الإجتماعي ، والمجال أكبر من أن نستطيع حصره . ولكننا جميعا نتفق أن الدبلوماسية هي في الأصل نفاقا مغلفا بمباركة المجتمع ، وكلنا نمارسه ونتهم من لا يمارسه بالتخلف والتشدد والغلظة القلبية ، فتجد من لا تطيقه تقابله بالأحضان ، ومن تتأفف الكلام معه تجد نفسك تبحث عنه لتثبت له المحبة الصادقة ، تعلن أنك تكره الكذب وتكذب ، تكره النفاق وتنافق ، تكره الرشوة وأنت راشي أو مرتشي ، تدعو الى الشئ ونقيضه ، تعلن شئ وتفعل عكسه .
لماذا نمارس الجميع الإزدواجية وكأنها واجبا اجتماعيا ، أو أنها مظهر من مظاهر الحياة الحديثة ، ومتى نخلع عنا جميع الوجوه لنعلن عن وجهنا الحقيقي . لا أعرف .
ولكني أعرف فقط أنني هنا لا أدعو الى اتخاذ جهة ما ، و حقيقة لا أنصح بموقف ما إيجابا أو سلبا ، ولست مخولة للدعوة الى دين أو قيم او حتى أيدولوجية ، ولكني فقط أطالب بتوحيد المعيار حتى لا تتوه منا القيم وحتى نستطيع يوما أن نصل لمراد الله منا على الأرض ، لا نضل بفتح النون ولا نضل بضم النون ، فربما يوما نعلم الحقيقة المجردة ونقيم المدينة الفاضلة في أرض سلام تسع الجميع .

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى